الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ
الشَّرْحُ: كِتَابُ الصَّيْدِ هُوَ: مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا، ثُمَّ أُطْلِقَ الصَّيْدُ عَلَى الْمَصِيدِ. قَالَ تَعَالَى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (وَالذَّبَائِحُ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ، وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَصْدَرًا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَعَ الذَّبَائِحَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ الْجَوَارِحِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، وقَوْله تَعَالَى: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وقَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ} وَالْمُذَكَّى مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَمِنْ السُّنَّةِ مَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حِلِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ الذَّبَائِحَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الصَّيْدِ عَكْسَ مَا فِي التَّرْجَمَةِ، لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْكِتَابَ وَمَا بَعْدَهُ هُنَا وِفَاقًا لِلْمُزَنِيِّ، وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهُ آخِرَ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ تَبَعًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ وَهُوَ أَنْسَبُ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَنْسَبِيَّةِ أَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ ا هـ. وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ: ذَبْحٌ، وَذَابِحٌ، وَذَبِيحَةٌ، وَآلَةٌ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ. فَقَالَ (ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ) الْبَرِّيِّ الْمُفِيدَةُ لِحِلِّ أَكْلِهِ إنْسِيًّا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ وَحْشِيًّا تَأَنَّسَ تَحْصُلُ شَرْعًا بِطَرِيقَتَيْنِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إحْدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ (بِذَبْحِهِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (فِي حَلْقٍ) وَهُوَ أَعْلَى الْعُنُقِ (أَوْ) فِي (لَبَّةٍ) وَهِيَ بِلَامٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ: أَسْفَلُ الْعُنُقِ (إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ ذَكَاتَهُ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، فَهُوَ مَعْنَى الذَّبْحِ وَذَالُهُمَا مُعْجَمَةٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} إلَى قَوْلِهِ: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ ذَبْحًا، وَيُخَالِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الْإِبِلِ لَا يُسَمَّى ذَبْحًا. أُجِيبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِالنَّحْرِ لَا تُنَافِي تَسْمِيَتَهُ ذَبْحًا، بَلْ تُسَمَّى نَحْرًا وَذَبْحًا، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَبِعَقْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (مُزْهِقٍ) لِلرُّوحِ (حَيْثُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (كَانَ) الْعَقْرُ ذَكَاتَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْجَنِينُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الذَّكَاةِ اسْتِقْلَالًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. .
المتن: وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ، وَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ، وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوْ اصْطِيَادٍ حَرُمَ، وَلَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ، وَلَوْ انْعَكَسَ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا حَرُمَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الذَّابِحُ. فَقَالَ (وَشَرْطُ ذَابِحٍ) أَيْ وَعَاقِرٍ (وَصَائِدٍ) لِغَيْرِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِيَحِلَّ مَذْبُوحُهُ وَمَعْقُورُهُ وَمَصِيدُهُ (حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ) لِلْمُسْلِمِينَ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ. قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " إنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَسَوَاءٌ اعْتَقَدُوا إبَاحَتَهُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَمْ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْكُفَّارِ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا مَصِيدُهُمْ وَلَا مَعْقُورُهُمْ لِعَدَمِ حِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: إنْ قُلْنَا: تَحِلُّ مُنَاكَحَةُ الْجِنِّ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ، وَبَقِيَّةُ الْحَيَوَانَاتِ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهَا لَوْ عَلِمَتْ الذَّبْحَ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّائِدِ كَوْنَهُ بَصِيرًا؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الذَّابِحِ كَوْنَهُ لَيْسَ مُحَرَّمًا فِي الْوَحْشِيِّ أَوْ الْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ، وَفِي الْمَذْبُوحِ كَوْنَهُ غَيْرَ صَيْدٍ حَرَمِيٍّ عَلَى حَلَالٍ أَوْ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُبَاحُ الذَّبِيحَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ. أَمَّا صَائِدُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ مَيْتَتَهُمَا حَلَالٌ، فَلَا عِبْرَةَ بِالْفِعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّابِحِ (وَ) حِينَئِذٍ (تَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) وَإِنْ حُرِّمَ مُنَاكَحَتُهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ ذَابِحٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ، وَاسْتَثْنَى الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُنَّ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُنَّ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُنَّ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الضَّابِطِ مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ لِنَقْصِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ يَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ أَنْ نَكَحَهُنَّ، فَالتَّحْرِيمُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَيْهِ، وَهُوَ رَأْسُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ فَلَا يُورِدُ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ الْبَصِيرَةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَحَّحَ الِاسْتِثْنَاءُ بِأَنْ يُقَالَ زَوْجَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُنَّ ا هـ. وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ عَلَى غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِشَيْءٍ فِيهِنَّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ فَإِنَّهُ لِأَمْرٍ فِيهَا، وَهُوَ رِقُّهَا مَعَ كُفْرِهَا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حِلُّ ذَكَاةِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَقِيلَ تُكْرَهُ ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى (وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوْ اصْطِيَادٍ) يَحْتَاجُ لِتَذْكِيَةٍ كَأَنْ أَمَرَّا سِكِّينًا عَلَى حَلْقِ شَاةٍ أَوْ قَتَلَا صَيْدًا بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ (حَرُمَ) الْمَذْبُوحُ وَالْمُصَادُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ (وَلَوْ أَرْسَلَا) أَيْ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ (كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ) أَوْ أَحَدُهُمَا كَلْبًا وَالْآخَرُ سَهْمًا عَلَى صَيْدٍ (فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ) آلَةَ الْمَجُوسِيِّ فِي صُورَةِ السَّهْمَيْنِ أَوْ كَلْبُ الْمُسْلِمِ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ فِي صُورَةِ الْكَلْبَيْنِ (فَقَتَلَ) الصَّيْدَ (أَوْ) لَمْ يَقْتُلْهُ بَلْ (أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ) ثُمَّ أَصَابَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ سَهْمُهُ (حَلَّ) وَلَا يَقْدَحُ مَا وُجِدَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ شَاةً فَقَدَّهَا مَجُوسِيٌّ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ سَهْمُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ وَضَمِنَهُ الْمَجُوسِيُّ لِلْمُسْلِمِ. (وَلَوْ انْعَكَسَ) مَا ذُكِرَ بِأَنْ سَبَقَ آلَةُ الْمَجُوسِيِّ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (أَوْ) لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (جَرَحَاهُ مَعًا) وَحَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِمَا (أَوْ جُهِلَ) ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ (أَوْ) جَرَحَاهُ (مُرَتَّبًا) بِأَنْ سَبَقَ آلَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ (وَ) لَكِنْ (لَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا) بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَإِهْمَالِهَا: أَيْ لَمْ يُقْتَلْ سَرِيعًا فَهَلَكَ بِهِمَا (حَرُمَ) الصَّيْدُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَكْسِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ سَبَقَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فَأَمْسَكَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَجْرَحْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ يَحِلُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَلَا يَحِلُّ بِقَتْلِ كَلْبِ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ أَثْخَنَ مُسْلِمٌ بِجِرَاحَتِهِ صَيْدًا فَقَدْ زَالَ امْتِنَاعُهُ وَمِلْكُهُ، فَإِذَا جَرْحَهُ مَجُوسِيٌّ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ حَرُمَ، وَعَلَى الْمَجُوسِيِّ قِيمَتُهُ مُثْخَنًا؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً، وَلَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحٍ وَلَوْ أَمْسَكَ لَهُ صَيْدًا فَذَبَحَهُ أَوْ شَارَكَهُ فِي قَتْلِهِ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَهُوَ فِي حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ أَوْ شَارَكَهُ فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ بِأَنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ، إذْ الْمَقْصُودُ الْفِعْلُ، وَقَدْ حَصَلَ مِمَّنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَلَا غَيْرُهُ بِمَا ذُكِرَ، وَيَحِلُّ مَا اصْطَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ قَطْعًا، وَلَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقَعَ بِالصَّيْدِ، لَمْ يَحِلَّ نَظَرًا إلَى أَغْلَظِ الْحَالَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي حَالَتَيْ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَتَخَلَّلَتْ الرِّدَّةُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحِلَّ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمْيِيزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا.
المتن: وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ فِي الْأَظْهَرِ
الشَّرْحُ: (وَيَحِلُّ ذَبْحُ) وَصَيْدُ (صَبِيٍّ) مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ (مُمَيِّزٍ)؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَانْدَرَجَ تَحْتَ الْأَدِلَّةِ كَالْبَالِغِ، (وَكَذَا) صَبِيٌّ (غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ) يَحِلُّ ذَبْحُهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ)؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ خَوْفًا عَنْ عُدُولِهِمْ عَنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَيُكْرَهُ كَأَعْمَى كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ، وَالثَّانِي لَا تَحِلُّ لِفَسَادِ قَصْدِهِمْ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَمْيِيزٌ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَدْنَى تَمْيِيزٍ حَلَّ قَطْعًا، قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَمَحَلُّ حِلِّ ذَبْحِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ لَمْ يَحِلَّ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، بَلْ الْمُمَيِّزُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْحُكْمَ فِيهِ كَذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ.
المتن: وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى، وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ وَكَلْبٍ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى) لِمَا مَرَّ (وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ أَوْ كَلْبٍ) وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الصَّيْدَ فَصَارَ كَاسْتِرْسَالِ الْكَلْبِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي يَحِلُّ كَذَبْحِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْأَعْمَى يَقْتَضِي أَنَّ صَيْدَ مَنْ قَبْلَهُ حَلَالٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ ا هـ. وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَعْمَى يَجْرِيَانِ فِي اصْطِيَادِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ وَإِنْ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الِاتِّحَادِ، وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي ذَبْحِ النَّائِمِ وَجْهَيْنِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ عَدَمُ حِلِّهِ. وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ فَتَحِلُّ وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ كَالْمَجْنُونِ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْكِتَابِيُّ، ثُمَّ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ. انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فِي مَعْنَى الْأَخِيرَيْنِ.
المتن: وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ.
الشَّرْحُ: (وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ نَظِيرُ الْأَوَّلِ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَكَلْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} وَلِخَبَرِ {أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ} وَلِخَبَرِ {هُوَ: أَيْ الْبَحْرُ: الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ} وَلِأَنَّ ذَبْحَهُمَا لَا يُمْكِنُ عَادَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ سَوَاءٌ مَاتَا بِسَبَبٍ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّافِي؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَكَلَ مِنْ الْعَنْبَرِ، وَهُوَ الْحُوتُ الَّذِي طَفَا، وَكَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَوْ صَادَهُمَا) أَيْ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ (مَجُوسِيٌّ)؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ مَيْتَةً وَمَيْتَتُهُمَا حَلَالٌ كَمَا مَرَّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَلَوْ ذَبَحَ مَجُوسِيٌّ سَمَكَةً حَلَّتْ أَيْضًا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ قَتَلَهُمَا مَجُوسِيٌّ لَكَانَ أَوْلَى. وَأَمَّا قَتْلُ الْمُحْرِمِ الْجَرَادَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسَنُّ ذَبْحُ كِبَارِ السَّمَكِ الَّذِي يَطُولُ بَقَاؤُهُ إرَاحَةً لَهُ، وَيُكْرَهُ ذَبْحُ صِغَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ حِلُّ مَيْتَةِ السَّمَكِ مَا لَوْ وُجِدَتْ سَمَكَةٌ مَيِّتَةً فِي جَوْفِ أُخْرَى فَتَحِلُّ: كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَغَيِّرَةً وَإِنْ لَمْ تَتَقَطَّعْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالرَّوْثِ وَالْقَيْءِ.
المتن: وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ إذَا أُكِلَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلٍّ) وَجُبْنٍ (وَفَاكِهَةٍ إذَا أُكِلَ مَعَهُ) مَيْتًا يَحِلُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اللَّحْمَ الْمُدَوِّدَ بِالْفَاكِهَةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا سَهُلَ تَمْيِيزُهُ كَالتُّفَّاحِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ: أَيْ إذَا كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَهُ أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا فَيَحْرُمُ لِنَجَاسَتِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ، وَكَذَا لَوْ نَحَّاهُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ تَنَحَّى بِنَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ إمْكَانِ صَوْنِهِ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالثَّانِي يَحِلُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ. تَنْبِيهٌ: حَقُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُذْكَرَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَثُرَ مِنْ الدُّودِ أَوْ لَا، وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَنَّهُ إذَا كَثُرَ وَغَيَّرَ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُنَجِّسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ وُقُوعَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَائِعِ عَنْ كَثْرَتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُقَاسَ بِالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الطَّعَامِ التَّمْرُ وَالْبَاقِلَاءُ الْمُسَوِّسَانِ إذَا طُبِخَا وَمَاتَ السُّوسُ فِيهِمَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ: وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْفُولِ بِأَنَّ التَّمْرَ يُشَقُّ عَادَةً وَيُزَالُ مَا فِيهِ، بِخِلَافِ الْفُولِ لَكَانَ مُتَّجَهًا، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْعَسَلِ نَمْلٌ وَطُبِخَ جَازَ أَكْلُهُ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي تَنْقِيَتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ ذُبَابَةٌ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَتَهَرَّتْ أَجْزَاؤُهَا فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ ذَلِكَ الطَّبِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَقْذَرُ، وَمِثْلُ الْوَاحِدَةِ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْقِدْرِ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ وَإِنْ قَلَّ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: حُرِّمَ أَكْلُ مَا فِيهَا لَا لِنَجَاسَتِهِ، بَلْ لِحُرْمَتِهِ، وَخَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ لِاسْتِهْلَاكِهِ.
المتن: وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَ سَمَكَةٍ حَيَّة، فَإِنْ فَعَلَ أَوْ بَلِعَ سَمَكَةً حَيَّةً حَلَّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يَقْطَعُ) شَخْصٌ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (بَعْضَ سَمَكَةٍ حَيَّةٍ) أَوْ جَرَادَةٍ حَيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّ عَيْشَهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ: كَمَا يُكْرَهُ قَلْيُهُ حَيًّا فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ لِمَا ذُكِرَ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ قَطَعَ بَعْضَ مَا ذُكِرَ وَبَلِعَ ذَلِكَ الْمَقْطُوعَ (أَوْ بَلِعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الْأَشْهَرِ (سَمَكَةً) أَوْ جَرَادَةً (حَيَّةً حَلَّ) مَا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمُبَانَ كَالْمَيْتَةِ، وَمَيْتَةُ هَذَا الْحَيَوَانِ حَلَالٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ قَتْلِهَا وَهُوَ جَائِزٌ. وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ الْمَقْطُوعُ كَمَا فِي غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَلَا الْمَبْلُوعُ لِمَا فِي جَوْفِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْأُولَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أُبِينَ مَعَ بَقَاءِ حَيَاةِ السَّمَكَةِ أَوْ الْجَرَادَةِ. أَمَّا لَوْ قَطَعَ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْبَاقِي حَيَاةٌ حَلَّ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ، فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِلتَّدَاوِي جَازَ قَطْعًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. ثَانِيهَا: لَوْ أُكِلَ مَشْوِيُّ صِغَارِ السَّمَكِ بِرَوْثِهِ حَلَّ وَعُفِيَ عَنْ رَوْثِهِ لِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ. وَأَمَّا كِبَارُهُ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الرَّوْثِ مَعَهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. ثَالِثُهَا: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَيَّةً قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمَيْتَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً امْتَنَعَ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ رَوْثِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْكَبِيرَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الصَّغِيرَةِ.
المتن: وَإِذَا رَمَى صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ بَعِيرًا نَدَّ، أَوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ، أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا رَمَى) بِسَهْمٍ (صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ) رَمَى (بَعِيرًا) إنْسِيًّا تَوَحَّشَ كَأَنْ (نَدَّ) بِفَتْحِ النُّونِ أَوَّلَهُ: أَيْ ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا (أَوْ) رَمَى (شَاةً) إنْسِيَّةً تَوَحَّشَتْ كَأَنْ (شَرَدَتْ بِسَهْمٍ) فِيهِ نَصْلٌ أَوْ لَهُ حَدٌّ، أَوْ بِسَيْفٍ، أَوْ رُمْحٍ، أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ) أَيْ الصَّيْدِ (جَارِحَةً) مِنْ سِبَاعٍ أَوْ طُيُورٍ (فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ) حَلْقًا أَوْ لَبَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ) فِي الْجَمِيعِ. أَمَّا فِي الْمُتَوَحِّشِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا فِي الْبَعِيرِ النَّادِّ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعِيرًا نَدَّ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ: أَيْ قَتَلَهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا} وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَمَاتَ فِي الْحَالِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَأَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ وَلَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: الِاعْتِبَارُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ، فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَصَارَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ثُمَّ أَصَابَ غَيْرَ الْمَذْبَحِ حَرُمَ أَوْ بِالْعَكْسِ حَلَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُتَوَحِّشًا عَنْ الصَّيْدِ الْمُسْتَأْنَسِ، فَهُوَ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ ذَبْحِهِ.
المتن: وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ فَكَنَادٍّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ. وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إلَى الزُّهُوقِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ تَرَدَّى) أَيْ سَقَطَ (بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ) أَوْ نَحْوِهَا (وَلَمْ يُمْكِنْهُ قَطْعُ حُلْقُومِهِ) وَمَرِيئِهِ (فَكَنَادٍّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ: أَيْ شَارِدٍ فِي حِلِّهِ بِالرَّمْيِ، وَكَذَا بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ فِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْبَصْرِيُّونَ فَتَصِيرُ أَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا مَذْبَحًا. أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ مَوْضِعُ الذَّبْحِ ظَاهِرًا فَلَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ إلَّا فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ. وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِ الْمُحَرَّرِ الْمُتَرَدِّيَ بِالنَّادِّ أَنَّهُ يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّهْمُ اسْتَدْرَكَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ) الْمُتَرَدِّي (بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ) عَلَيْهِ (وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ) وَهُوَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ نِسْبَةً لِرُويَانَ مِنْ بِلَادِ طَبَرِسْتَانَ عَبْدُ الْوَاحِدِ أَبُو الْمَحَاسِنِ شَافِعِيُّ زَمَانِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، الْقَائِلُ: لَوْ احْتَرَقَتْ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ أَمْلَيْتُهَا مِنْ حِفْظِي (وَالشَّاشِيُّ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ نَقَلَ عَدَمَ حِلِّ الْمُتَرَدِّي بِمَا ذَكَرَ عَنْ الرُّويَانِيِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مَعَ الْقُدْرَةِ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْجَارِحَةِ، وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فَوْقَ بَعِيرٍ فَغَرَزَ رُمْحًا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى نَفَذَ مِنْهُ إلَى الثَّانِي حَلَّا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّانِي، قَالَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِ الْأَعْلَى لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ دَخَلَتْ الطَّعْنَةُ إلَيْهِ وَشَكَّ هَلْ مَاتَ بِهَا أَوْ بِالثِّقَلِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ (وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ) أَيْ النَّادِّ (بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ بِخَطِّهِ مِنْ الْعَوْنِ، وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ مِنْ الْغَوْثِ (بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ) مَثَلًا (فَمَقْدُورٌ) أَيْ حُكْمُهُ كَحَيَوَانٍ مَقْدُورٍ (عَلَيْهِ) لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ وَتَعَسَّرَ ذَلِكَ كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْحَالِ (وَيَكْفِي فِي) الْحَيَوَانِ (النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي) السَّابِقَيْنِ، وَفِي الْوَحْشِيِّ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (جُرْحٌ يُفْضِي) غَالِبًا (إلَى الزُّهُوقِ) أَيْ الْمَوْتِ سَوَاءٌ أَذُفِّفَ الْجُرْحُ أَمْ لَا، وَهَذَا مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ لِلْمُعْظَمِ وَالْمُصَنِّفُ لِلْأَكْثَرِينَ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِي الرَّمْيِ بِسَهْمٍ جُرْحٌ (مُذَفِّفٌ) وَهُوَ الْمُسْرِعُ لِلْقَتْلِ، وَحَكَى هَذَا الْإِمَامُ عَنْ الْقَفَّالِ وَالْمُحَقِّقِينَ. أَمَّا إرْسَالُ الْكَلْبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَذْفِيفٌ جَزْمًا.
المتن: وَإِذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً أَوْ أَدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ بِأَنْ سَلَّ السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانٍ أَوْ امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ حَلَّ، وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونُ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ غُصِبَتْ أَوْ نَشِبَتْ فِي الْغِمْدِ حَرُمَ.
الشَّرْحُ: (وَإِذَا أَرْسَلَ) الصَّائِدُ آلَةَ صَيْدٍ (سَهْمًا أَوْ كَلْبًا) مُعَلَّمًا (أَوْ طَائِرًا) مُعَلَّمًا (عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ) نَظَرْتَ (فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ) أَيْ الصَّائِدُ فِي الصَّيْدِ (حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً أَوْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ فِيهِ (وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْ الصَّائِدِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (سَلَّ السِّكِّينَ) عَلَى الصَّيْدِ، أَوْ ضَاقَ الزَّمَانُ، أَوْ مَشَى لَهُ عَلَى هَيْنَتِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ عَدْوًا، أَوْ اشْتَغَلَ بِتَوْجِيهِهِ لِلْقِبْلَةِ، أَوْ بِتَحْرِيفِهِ وَهُوَ مُنْكَبٌّ أَوْ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ، أَوْ بِتَنَاوُلِ السِّكِّينِ، أَوْ مَنَعَ مِنْهُ سَبُعٌ (فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانٍ) مِنْهُ لَذَبْحِهِ (أَوْ امْتَنَعَ) مِنْهُ (بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (حَلَّ) فِي الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُدْرِكْ حَيَاتَهُ. نَعَمْ يُسَنُّ ذَبْحُهُ إذَا وَجَدَ فِيهِ حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَأَصَابَهُ وَمَاتَ لَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ مَوْرِدًا لِلتَّقْسِيمِ، فَإِنَّ مِنْهَا إدْرَاكَهُ بِالْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَالْمَيْتُ لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: فَأَصَابَ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا، وَلِلْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ قَرَائِنُ وَأَمَارَاتٌ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ فَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَمِنْ أَمَارَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ وَانْفِجَارُ الدَّمِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَرَكَةَ الشَّدِيدَةَ تَكْفِي وَحْدَهَا، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي حُصُولِهَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ ظَنٌّ فَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ الصَّائِدِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (لَا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ) أَوْ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً، أَوْ ذَبَحَ بِظَهْرِهَا خَطَأً (أَوْ غُصِبَتْ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَوَّلَهُ: أَيْ أَخَذَهَا مِنْهُ غَاصِبٌ (أَوْ نَشِبَتْ) بِفَتْحِ النُّونِ أَوَّلَهُ، وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ عَسُرَ إخْرَاجُهَا بِأَنْ تَعَلَّقَتْ (فِي الْغِمْدِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَهُوَ الْغِلَافُ كَمَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ فِي الْإِقْرَارِ (حَرُمَ) الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِلتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ يُعَانِي الصَّيْدَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ الْآلَةَ فِي غِمْدٍ يُوَافِقُ، وَسُقُوطُهَا مِنْهُ وَسَرِقَتُهَا تَقْصِيرٌ. نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ لِلسِّكِّينِ غِمْدًا مُعْتَادًا فَنَشِبَتْ لِعَارِضٍ حَلَّ كَمَا يُفْهِمُهُ التَّعْبِيرُ بِالتَّقْصِيرِ؛ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِ الصَّيْدِ هَلْ قَصَّرَ فِي ذَبْحِهِ أَمْ لَا؟ حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ. فَائِدَةٌ: فِي السِّكِّينِ لُغَتَانِ: التَّذْكِيرُ، وَالتَّأْنِيثُ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا حَيْثُ قَالَ: مَعَهُ سِكِّينٌ، ثُمَّ قَالَ غُصِبَتْ، وَاسْتَعْمَلَ التَّذْكِيرَ فَقَطْ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ.
المتن: وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ حَلَّا، وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ، أَوْ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا حُرِّمَ الْعُضْوُ وَحَلَّ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ حَلَّ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ الْعُضْوُ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ رَمَاهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فَقَدَّهُ) أَيْ قَطَعَهُ (نِصْفَيْنِ) مَثَلًا (حَلَّا) أَيْ النِّصْفَانِ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاوَتَا لِحُصُولِ الْجُرْحِ الْمُذَفِّفِ؛ لَكِنْ إنْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ فِي صُورَةِ التَّفَاوُتِ أَقَلَّ حَلَّا بِلَا خِلَافٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الذَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ حَلَّا أَيْضًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا سَلَّمَهُ (وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ) أَيْ الصَّيْدِ (عُضْوًا) كَيَدِهِ (بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ) أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْلِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ (حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ) أَيْ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَكَاةِ الصَّيْدِ كُلُّ الْبَدَنِ (أَوْ) أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا (بِغَيْرِ) أَيْ بِجُرْحٍ غَيْرِ (مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ، أَوْ) لَمْ يَذْبَحْهُ بَلْ (جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا) وَلَمْ يُثْبِتْهُ بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ فَمَاتَ (حُرِّمَ الْعُضْوُ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ (وَحَلَّ الْبَاقِي) لِوُجُودِ الذَّكَاةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَقِيَامِ الْمُذَفِّفِ مَقَامَهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ مُثْبِتًا بِغَيْرِ ذَبْحِهِ فَلَا يُجْزِئُ الْجُرْحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ) الْأَوَّلِ (حَلَّ الْجَمِيعُ) الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ السَّابِقَ كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَيَتْبَعُهَا الْعُضْوُ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَقِيلَ) وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ (يَحْرُمُ الْعُضْوُ)؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ وَأَمَّا بَاقِي الْبَدَنِ فَيَحِلُّ جَزْمًا. .
المتن: وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ قُدِرَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ، وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ وَالْمَرِيءِ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ، وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ عَصَى، فَإِنْ أَسْرَعَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الذَّبِيحُ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ فَقَالَ (وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ) إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ (قُدِرَ عَلَيْهِ) وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَقْتَ ابْتِدَاءِ ذَبْحِهِ تَحْصُلُ فِي الْأَصَحِّ (بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ مَخْرَجُ) أَيْ مَجْرَى (النَّفَسِ) خُرُوجًا وَدُخُولًا (وَ) بِقَطْعِ كُلِّ (الْمَرِيءِ) بِفَتْحِ مِيمِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ، وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهُ (وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ) وَالشَّرَابِ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الْمَعِدَةِ وَتَحْتَ الْحُلْقُومِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تُفْقَدُ بِفَقْدِهِمَا. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِالْقَطْعِ عَمَّا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أَوْ غَيْرِهِ بِيَدِهِ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ لَا يُسَمَّى ذَكَاةً بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ، لَا فِي مَعْنَى الْقَطْعِ، وَبِقَوْلِهِ قُدِرَ عَلَيْهِ عَمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ: كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ عَمَّا لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ يَسِيرًا فَلَا يَحِلُّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَقَدْ يُخِلُّ فِي قَوْلِهِ: قُدِرَ عَلَيْهِ مَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ حِلَّهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ) بِوَاوٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَتَيْنِ تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا (وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ) مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ، وَقِيلَ بِالْمَرِيءِ، وَهُمَا الْوَرِيدَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، فَهُوَ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا لَمْ يَجِبْ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُسَلَّانِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَبْقَى، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ، وَلَا يُسَنُّ قَطْعُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ (وَلَوْ ذَبَحَهُ) أَيْ الْحَيَوَانَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ (مِنْ قَفَاهُ) أَوْ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ (عَصَى) بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ (فَإِنْ أَسْرَعَ) فِي ذَلِكَ (فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ، وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) أَوَّلَ قَطْعِهِمَا (حَلَّ)؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ صَادَفَتْهُ وَهُوَ حَيٌّ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ الْحَيَوَانِ ثُمَّ ذَكَّاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُسْرِعْ قَطْعَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (فَلَا) يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَيْتَةً فَلَا يُفِيدُهُ الذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ شَخْصٌ حَيَوَانًا وَأَخْرَجَ آخَرُ أَمْعَاءَهُ أَوْ نَخَسَ خَاصِرَتَهُ مَعًا لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ أَكَانَ مَا قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مِمَّا يُذَفِّفُ لَوْ انْفَرَدَ أَمْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّذْفِيفِ وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَيَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذَبْحَيْنِ خِلَافَ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ الْحِلِّ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ قَطْعِ الْمَرِيءِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ بِوُجُودِهَا بِقَرِينَةٍ، وَلَوْ عُرِفَتْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، فَلَوْ وَصَلَ بِجُرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تُتَيَقَّنُ، وَتَارَةَ تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي اسْتِقْرَارِهَا حَرُمَ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنْ مَرِضَ أَوْ جَاعَ فَذَبَحَهُ، وَقَدْ صَارَ آخِرَ رَمَقٍ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَرِضَ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ حَتَّى صَارَ آخِرَ رَمَقٍ كَانَ سَبَبًا يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحِلَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي مَرَّةً وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْهِ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى، وَإِنْ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
المتن: وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ، وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ
الشَّرْحُ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ قَطْعُ الْجِلْدِ الَّذِي فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ) لِيَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ دَاخِلَ الْجِلْدِ لِأَجْلِ جِلْدِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلتَّعْذِيبِ. ثُمَّ إنْ أَسْرَعَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دَاخِلَ الْجِلْدِ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: الثَّعْلَبُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. (وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ) فِي اللَّبَّةِ، وَهِيَ أَسْفَلُ الْعُنُقِ كَمَا مَرَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ لِطُولِ عُنُقِهَا، وَقِيَاسُ هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ مَا طَالَ عُنُقُهُ كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ.
المتن: وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِمًا مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ، وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ، وَيُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى، وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ.
الشَّرْحُ: (وَ) يُسَنُّ (ذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ) وَنَحْوِهِمَا كَخَيْلٍ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ الْكَائِنَيْنِ أَعْلَى الْعُنُقِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (عَكْسُهُ) وَهُوَ ذَبْحُ إبِلٍ وَنَحْوِهَا وَنَحْرُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَكُونَ) نَحْرُ (الْبَعِيرِ قَائِمًا) عَلَى ثَلَاثٍ (مَعْقُولَ) بِالتَّنْوِينِ بِخَطِّهِ (الرُّكْبَةِ) وَهِيَ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيْ قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ: أَلِفَ الصُّفُوفَ فَلَا يَزَالُ كَأَنَّهُ مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَثِيرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَبَارِكًا، وَالنَّحْرُ الطَّعْنُ بِمَا لَهُ حَدٌّ فِي الْمَنْحَرِ، وَهُوَ الْوَهْدَةُ الَّتِي فِي أَعْلَى الصَّدْرِ، وَأَصْلِ الْعُنُقِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ إيجَابَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَاسْتِحْبَابَ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ مَخْصُوصٌ بِالذَّبْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي النَّحْرِ أَيْضًا، وَحَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْحَاوِي وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) أَنْ تَكُونَ (الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ) حَالَ ذَبْحِ كُلٍّ مِنْهُمَا (مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ) أَمَّا الشَّاةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْجَعَهَا} وَقِيسَ عَلَيْهَا الْبَقَرُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلَ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِهِ السِّكِّينَ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ الرَّأْسِ بِالْيَسَارِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الذَّابِحُ أَعْسَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ وَلَا يُضْجِعُهَا عَلَى يَمِينِهَا كَمَا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَمِينِ لَا يُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى (وَيُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى) بِلَا شَدٍّ لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا (وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ) لِئَلَّا تَضْطَرِبَ حَالَ الذَّبْحِ فَيَزِلَّ الذَّابِحُ.
المتن: وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، وَيُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ.
الشَّرْحُ: (وَ) يُسَنُّ لِلذَّابِحِ (أَنْ يُحِدَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (شَفْرَتَهُ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ: سِكِّينٌ عَظِيمَةٌ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ {إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ}. تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ حَلَّ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْقَطْعُ إلَى قُوَّةِ الذَّابِحِ، وَأَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ قَبْلَ انْتِهَائِهَا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَيُسَنُّ إمْرَارُ السِّكِّينِ بِقُوَّةِ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحُدَّ شَفْرَتَهُ وَالْبَهِيمَةُ تَنْظُرُ إلَيْهِ، وَأَنْ يَذْبَحَ حَيَوَانًا وَآخَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يُسَاقَ الْحَيَوَانُ إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ، وَأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ عَلَى سُهُولَةِ سَلْخِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبِينَ الرَّأْسَ، وَأَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ، وَأَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَنْ يُحَرِّكَهُ، وَأَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَكَانٍ حَتَّى تَخْرُجَ رُوحُهُ مِنْهُ (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُوَجِّهَ) الذَّابِحُ (لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا لَا وَجْهَهَا لِيُمْكِنَهُ أَيْضًا هُوَ الِاسْتِقْبَالُ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِقْبَالُ لِلذَّابِحِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كُرِهَ كَالْبَوْلِ إلَى الْقِبْلَةِ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ، وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهَا التَّسْمِيَةُ.
المتن: وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ.
الشَّرْحُ: كَمَا قَالَ (وَأَنْ يَقُولَ) عِنْدَ ذَبْحِهَا (بِسْمِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وَلَا تَجِبُ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَعَمَّدَ لَمْ تَحِلَّ. وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إلَى قَوْلِهِ: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ، وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَهُمْ لَا يُسَمُّونَ غَالِبًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا {إنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمَنَا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا بِلِحَامٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَجَازَ الْأَكْلَ مَعَ الشَّكِّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّ أَوْ لَمْ يُسَمِّ} {وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى؟ فَقَالَ: اسْمُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ} وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، إذْ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَتَقَيَّدَ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا. وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَجُوسَ الْفُرْسِ قَالُوا لِقُرَيْشٍ: تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ {فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ} فَأَجَابُوا عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ سَنُّ التَّسْمِيَةِ بِالذَّبْحِ، بَلْ تُسَنُّ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ إلَى صَيْدٍ، وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالسَّهْمِ، وَالْعَضِّ مِنْ الْجَارِحَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، بَلْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ اسْتِحْبَابَهَا عِنْدَ صَيْدِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ فِي التَّسْمِيَةِ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ، بَلْ لَوْ قَالَ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " كَانَ حَسَنًا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: " فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ " فَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُسَنُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك " (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ، وَكَرِهَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالُوا: لَا يُذْكَرُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ " وَحَاشَا اللَّهِ أَنْ تُكْرَهَ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ طَاعَةٍ أَوَقُرْبَةً ": بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهَا عَمْدًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا يَقُلْ) أَيْ الذَّابِحُ وَالصَّائِدُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ، وَلَا (بِسْمِ اللَّهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَرِّ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى الْجَوَازَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ. قَالَ: وَقَدْ تَنَازَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ قَزْوِينَ فِيهِ هَلْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَهَلْ يَكْفُرُ أَوْ لَا؟ وَالصَّوَابُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَذْبَحُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَقَرُّبًا لَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا. أَمَّا لَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِرَفْعِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ إيهَامِهِ التَّشْرِيكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّحْوِيِّ. أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ ذَلِكَ. . تَنْبِيهٌ: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، بَلْ إنْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كَمَا لَوْ سَجَدَ لَهُ لِذَلِكَ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: مَنْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ وَقَصَدَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيَصْرِفَ شَرَّهُمْ عَنْهُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَإِنْ قَصَدَ الذَّبْحَ لَهُمْ فَحَرَامٌ، وَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ جَازَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ أَهْدَيْتُ لِلْحَرَمِ أَوْ لِلْكَعْبَةِ، وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ إذَا ذُبِحَتْ تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ، وَعَدَّ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَذْبَحَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ: أَيْ فَيُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: فِي الْإِحْيَاءِ بِالتَّحْرِيمِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْآلَةُ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ.
المتن: يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ
الشَّرْحُ: [ فَصْلٌ ] (يَحِلُّ ذَبْحُ) حَيَوَانٍ (مَقْدُورٍ عَلَيْهِ) بِقَطْعِ حُلْقُومِهِ وَمَرِيئِهِ (وَ) يَحِلُّ (جَرْحُ) حَيَوَانٍ (غَيْرِهِ) أَيْ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْهُ (بِكُلِّ مُحَدَّدٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الشَّدِيدَةِ: أَيْ لَهُ حَدٌّ (يَجْرَحُ) أَيْ يَقْطَعُ (كَحَدِيدٍ) أَيْ مُحَدَّدِ حَدِيدٍ (وَ) مُحَدَّدِ (نُحَاسٍ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَعْطُوفَاتِ (وَذَهَبٍ) وَفِضَّةٍ وَرَصَاصٍ (وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْحَى لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَهُوَ تَعْبِيرٌ مَعْكُوسٌ، وَالصَّوَابُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَهِيَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ إلَخْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ مَا يَحِلُّ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ بِقَوْلِهِ: ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ.
المتن: إلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ الْعِظَامِ.
الشَّرْحُ: (إلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ) أَيْ بَاقِي (الْعِظَامِ) مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ} وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ تَعَبُّدٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بِهَا فَإِنَّهَا تَنْجَسُ بِالدَّمِ، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنَجُّسِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، فَلَوْ جَعَلَ نَصْلَ سَهْمٍ عَظْمًا فَقَتَلَ بِهِ صَيْدًا حَرُمَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّةِ النَّهْيِ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ أَنَّهُ بِمَطْعُومِ الْآدَمِيِّ أَوْلَى كَأَنْ يَذْبَحَ بِحَرْفِ رَغِيفٍ مُحَدَّدٍ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ مَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ بِظُفْرِهَا أَوْ نَابِهَا حَلَالٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ.
المتن: فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ أَوْ ثِقَلِ مُحَدَّدٍ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ أَوْ سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ حَرُمَ، وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ حَلَّ.
الشَّرْحُ: وَخَرَجَ بِمُحَدَّدٍ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ) بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ شَدِيدَةٍ: أَيْ شَيْءٍ ثَقِيلٍ (أَوْ ثِقَلٍ مُحَدَّدٍ) فَالْأَوَّلُ (كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ) وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ، وَذَلِكَ كَسَهْمٍ بِنَصْلٍ أَوْ حَدٍّ قَتَلَ بِثِقَلِهِ، وَمِنْهُ السِّكِّينُ الْكَالُّ إذَا ذَبَحَتْ بِالتَّحَامُلِ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَشَارَ لِصُوَرٍ يَقَعُ الْمَوْتُ فِيهَا بِسَبَبَيْنِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ بِنَحْوِ (سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ) أَيْ قَتَلَهُ بِهِمَا (أَوْ جَرَحَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ: أَيْ جَانِبُهُ (فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا) أَيْ الْجُرْحِ وَالتَّأْثِيرِ (أَوْ انْخَنَقَ) وَمَاتَ (بِأُحْبُولَةٍ) مَنْصُوبَةٍ لِذَلِكَ، وَهِيَ مَا تُعْمَلُ مِنْ الْحِبَالِ لِلِاصْطِيَادِ (أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ) فَجَرَحَهُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا (فَوَقَعَ بِأَرْضٍ) عَالِيَةٍ (أَوْ) طَرَفِ (جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَمَاتَ (حَرُمَ) الصَّيْدُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، أَمَّا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، فَلِأَنَّهَا مَوْقُوذَةٌ فَإِنَّهَا مِمَّا قُتِلَ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ، وَأَمَّا مَوْتُهُ بِالسَّهْمِ وَالْبُنْدُقَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ، فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْمَيْتَاتِ، وَأَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ بِالْأُحْبُولَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ}. وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ، فَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي تَصْوِيرِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ جُرْحًا بَلْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ مُبِيحٍ يُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَا إذَا جَرَحَهُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا وَوَقَعَ بِأَرْضٍ عَالِيَةٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهَا وَجَعَلَهُ مِنْ صُوَرِ الْمَوْتِ بِسَبَبَيْنِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يُدْرَى بِأَيِّهِمَا مَاتَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا حَمَلْتُ كَلَامَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ بِوُقُوعٍ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ كَانَ أَوْلَى، وَلَا بُدَّ فِي تَصْوِيرِ الْأَرْضِ وَالْجَبَلِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. أَمَّا إذَا أَنْهَاهُ السَّهْمُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا أَثَرَ لِصَدْمَةِ الْأَرْضِ وَالْجَبَلِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ سَقَطَ عَمَّا إذَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ، وَلَكِنْ تَدَحْرَجَ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ. فَائِدَةٌ: أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الرَّمْيَ بِالْبُنْدُقِ جَائِزٌ، وَلَكِنَّ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْكَرْكِيِّ، فَإِنْ كَانَ يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْعَصَافِيرِ وَصِغَارِ الْوَحْشِ حَرُمَ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَإِنْ احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ (وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ) أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا (فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ) قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ، أَوْ بَعْدَهُ (حَلَّ)؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا فَوَقَعَ عَلَى جَنْبَيْهِ لَمَّا أَصَابَهُ السَّهْمُ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الطَّائِرُ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَسَقَطَ بِالْأَرْضِ. فَإِنْ سَقَطَ عَلَى غُصْنٍ، ثُمَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا لَوْ سَقَطَ عَلَى سَطْحٍ ثُمَّ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ، وَخَرَجَ بِالْأَرْضِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ حَلَّ إنْ لَمْ يَصْدِمْ جُدْرَانَهَا. . تَنْبِيهٌ: لَوْ رَمَى طَيْرَ الْمَاءِ، وَهُوَ فِيهِ فَأَصَابَهُ، وَمَاتَ حَلَّ، وَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْمَاءِ، وَلَوْ فِي نَحْوِ سَفِينَةٍ حَلَّ، أَوْ فِي الْبَرِّ حَرُمَ إنْ لَمْ يُنْهِهِ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، وَلَوْ كَانَ الطَّيْرُ خَارِجَ الْمَاءِ فَرَمَاهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّامِي فِي الْمَاءِ أَمْ خَارِجَهُ حَرُمَ كَمَا فُهِمَ مِمَّا ذُكِرَ بِالْأَوْلَى، وَكَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ طَيْرَ الْبَرِّ لَيْسَ كَطَيْرِ الْمَاءِ فِيمَا ذُكِرَ، لَكِنَّ الْبَغَوِيَّ فِي تَعْلِيقِهِ جَعَلَهُ مِثْلَهُ، فَإِنْ حُمِلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي طَيْرِ الْمَاءِ فِي كَلَامِهِمَا عَلَى مَعْنَى فِي فَلَا مُخَالَفَةَ، وَهَذَا أَوْلَى، وَمَحِلُّ مَا مَرَّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَغْمِسْهُ السَّهْمُ فِي الْمَاءِ. سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ فِي هَوَائِهِ. أَمَّا لَوْ غَمَسَهُ فِيهِ قَبْلَ إنْهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَوْ انْغَمَسَ فِيهِ بِالْوُقُوعِ لِثِقَلِ جُثَّتِهِ فَمَاتَ فَهُوَ غَرِيقٌ لَا يَحِلُّ قَطْعًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا السَّاقِطُ فِي النَّارِ فَحَرَامٌ.
المتن: وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً بِأَنْ تَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا وَتَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكَ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ.
الشَّرْحُ: (وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ) أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ بِالشَّرْطِ الْآتِي فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ جُرْحُهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْجَوَارِحِ، بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ وَذَبْحُهُ كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ، وَالْجَوَارِحُ جَمْعُ جَارِحٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَجْرَحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَرْحِهِ الطَّيْرَ بِظُفْرِهِ، أَوْ نَابِهِ. ثُمَّ مَثَّلَ الْجَوَارِحَ بِقَوْلِهِ (كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) وَنَمِرٍ فِي السِّبَاعِ (وَبَازٍ وَشَاهِينِ) وَصَقْرٍ فِي الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ} أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُهُ فِي الْوَسِيطِ: فَرِيسَةُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ حَرَامٌ غَلَطٌ مَرْدُودٌ؛ وَلَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ هُمَا كَالْكَلْبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَكُلُّ الْأَصْحَابِ ا هـ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا هُنَا بِعَدِّ النَّمِرِ فِي السِّبَاعِ الَّتِي يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَا، وَقَالَا فِي كِتَابِ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ فِي نَمِرٍ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ، فَإِذَا كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ أَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ صَحَّ بَيْعُهُ (بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً) لِلْآيَةِ وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ (بِأَنْ تَنْزَجِرَ) أَيْ تَقِفَ (جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا) فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَهُ (وَ) أَنْ (تَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ) أَيْ تَهِيجَ بِإِغْرَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: " إذَا أَمَرْتَ الْكَلْبَ فَائْتَمَرَ وَإِذَا نَهَيْتَهُ فَانْتَهَى فَهُوَ كَلْبٌ مُكَلَّبٌ " حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ رِوَايَةِ يُونُسَ (وَ) أَنْ (يُمْسِكَ) أَيْ يَحْبِسَ (الصَّيْدَ) عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُخَلِّيَهُ يَذْهَبُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا يَدْفَعَهُ عَنْهُ (وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ كَجِلْدِهِ وَحَشْوَتِهِ وَأُذُنِهِ وَعَظْمِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ لَهُ أَوْ عَقِبَهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ {إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ} وَمَنْعُهُ الصَّائِدَ مِنْ الصَّيْدِ كَالْأَكْلِ مِنْهُ. أَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ قَتَلَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَعَادَ إلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ فِي تَنَاوُلِهِ الشَّعْرَ بِالْحِلِّ، إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ، وَفِيمَا ذُكِرَ تَذْكِيرُ الْجَارِحَةِ، وَسَيَأْتِي تَأْنِيثُهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى تَارَةً وَإِلَى اللَّفْظِ أُخْرَى.
المتن: وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يَظُنُّ تَأَدُّبَ الْجَارِحَة، وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى جَارِحَةِ السِّبَاعِ. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الضَّرْبَ لِتَتَعَلَّمَ تَرْكَ الْأَكْلِ، بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا انْزِجَارُهَا بِالزَّجْرِ وَلَا إمْسَاكُهَا الصَّيْدَ لِصَاحِبِهَا، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِي، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأُولَى، وَنَقَلَ عَنْ الْإِمَام أَنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي انْزِجَارِهَا بَعْدَ طَيَرَانِهَا، لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهَا أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي الْبَسِيطِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ الْإِمَامِ بِلَفْظِ قِيلَ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَنَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ (وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّعْلِيمِ (بِحَيْثُ يَظُنُّ تَأَدُّبَ الْجَارِحَةِ) وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ، بَلْ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ (وَلَوْ ظَهَرَ) بِمَا ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ (كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ) مَرَّةً كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَارِّ، وَلِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ شَرْطٌ فِي التَّعَلُّمِ ابْتِدَاءً، فَكَذَا دَوَامًا، وَالثَّانِي يَحِلُّ أَكْلُهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ {إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ} وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ فِي رِجَالِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَإِنْ صَحَّ حَمْلٌ عَلَى مَا إذَا أَطْعَمَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ أَوْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ وَانْصَرَفَ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَكْلِ مَرَّةً كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ تَكَرَّرَ الْأَكْلُ مِنْهُ حَرُمَ الْآخَرُ جَزْمًا، وَمَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ الصَّيْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ بِالْأَكْلِ عَنْ التَّعْلِيمِ إذَا أَكَلَ مِمَّا أَرْسَلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ وَأَكَلَ لَمْ يُقْدَحْ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ قَدْ يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَلْحَقُ بِهِ نَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ مِنْ جِلْدِهِ وَعَظْمِهِ وَحَشْوَتِهِ.
المتن: فَيُشْتَرَطُ تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ، وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ، وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجِسٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ قَوْلَهُ (فَيُشْتَرَطُ) فِي هَذِهِ الْجَارِحَةِ (تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ا هـ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ حِينَ الْأَكْلِ، وَلَمْ يَقُلْ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ التَّعْلِيمِ (وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلصَّائِدِ، فَصَارَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مَنُوطٌ فِي الْحَدِيثِ بِالْأَكْلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجِسٌ) كَغَيْرِهِ مِمَّا يُنَجِّسُهُ الْكَلْبُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ) كَوُلُوغِهِ، وَالثَّانِي يُعْفَى عَنْهُ لِلْحَاجَةِ، وَقَوَّاهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ) أَيْ الْمَعَضِّ سَبْعًا (بِمَاءٍ وَتُرَابٍ) فِي إحْدَاهُنَّ كَغَيْرِهِ (وَ) أَنَّهُ (لَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ) الْمَعَضُّ (وَيُطْرَحَ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَالثَّانِي يَجِبُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ، فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ.
المتن: وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا) وَلَمْ تَجْرَحْهُ (حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وَلِأَنَّهُ يَعْسُرُ تَعْلِيمُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَّا بِجُرْحٍ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ: كَالْقَتْلِ بِثِقَلِ السَّيْفِ أَوْ الرُّمْحِ.
تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَجْرَحْهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. أَمَّا إذَا جَرَحَتْهُ ثُمَّ تَحَامَلَتْ عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَطْعًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِثِقَلِهِ مَا لَوْ مَاتَ فَزِعًا مِنْ الْجَارِحَةِ أَوْ مِنْ عَدْوِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا، لَكِنَّ الثِّقَلَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ مَاتَ بِصَدْمَتِهَا أَوْ بِعَضِّهَا أَوْ بِقُوَّةِ إمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ كَانَ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَمَاتَ بِإِمْسَاكِهِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَكَانَ أَشْمَلَ، وَالْقَتْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ أَيْضًا، بَلْ لَوْ صَارَ بِالثِّقَلِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ.
المتن: وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا لَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ لَمْ يَحِلَّ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ قَصْدُ الْعَيْنِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ أَوْ قَصْدِ الْجِنْسِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِصَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَصْوِيرِهِمَا، فَعَلَى هَذَا (لَوْ كَانَ بِيَدِهِ) أَيْ شَخْصٍ (سِكِّينٌ) مَثَلًا (فَسَقَطَ) مِنْ يَدِهِ (وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ) مَثَلًا وَمَاتَ (أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ) مَثَلًا (وَهُوَ فِي يَدِهِ) سَوَاءٌ أَحَرَّكَهَا أَمْ لَا (فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا) أَوْ تَعَقَّرَ بِهِ صَيْدٌ (أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ) مُعَلَّمٌ (بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ) صَيْدًا (لَمْ يَحِلَّ) وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الذَّبْحِ وَقَصْدِهِ وَالْإِرْسَالِ (وَكَذَا لَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ) أَوْ غَيْرُهُ (فَزَادَ عَدْوُهُ لَمْ يَحِلَّ) الصَّيْدُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِاجْتِمَاعِ الِاسْتِرْسَالِ الْمَانِعِ وَالْإِغْرَاءِ الْمُبِيحِ فَغُلِّبَ جَانِبُ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي يَحِلُّ لِظُهُورِ أَثَرِ الْإِغْرَاءِ بِزِيَادَةِ الْعَدْوِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فَزَادَ عَدْوُهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَزِدْ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْوَجْهَيْنِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إغْرَاءٌ وَزَجْرٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بِأَنْ انْزَجَرَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَاصْطَادَ حَلَّ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ فَزَادَ عَدْوُهُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ فَزَجَرَهُ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا فَهُوَ لِلْفُضُولِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُرْسِلُ، فَإِنْ زَجَرَهُ الْفُضُولِيُّ فَلَمْ يَنْزَجِرْ أَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ بَلْ أَغْرَاهُ فَزَادَ عَدْوُهُ وَأَخَذَ صَيْدًا فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجَارِحِ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُ الصَّيْدِ مِنْ فَمِ جَارِحٍ مُعَلَّمٍ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ كَمَا لَوْ أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ مِنْ شَجَرَةِ غَيْرِهِ لَا مِنْ فَمِ غَيْرِ مُعَلَّمٍ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ مَا صَادَهُ مِلْكُ صَاحِبِهِ تَنْزِيلًا لِإِرْسَالِهِ مَنْزِلَةَ نَصْبِ شَبَكَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا الصَّيْدُ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُسْلِمٌ فَازْدَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مَجُوسِيٍّ حَلَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِرْسَالِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِغْرَاءِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ حَرُمَ لِذَلِكَ.
المتن: وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةً حَلَّتْ، وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً فَأَصَابَ غَيْرَهَا حَلَّتْ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَصَابَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ) مَثَلًا (حَلَّ) سَوَاءٌ اقْتَرَنَ الرِّيحُ بِابْتِدَاءِ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ هَجَمَ الرِّيحُ قَبْلَ خُرُوجِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ، إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ هُبُوبِهَا، بِخِلَافِ حَمْلِهَا الْكَلَامَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِإِعَانَتِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ صَارَتْ الْإِصَابَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الرِّيحِ خَاصَّةً لَمْ يَحِلَّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ أَوْ جِدَارًا أَوْ حَجَرًا فَازْدَلَفَ وَنَفَذَ فِيهِ أَوْ انْقَطَعَ الْوَتَرُ عِنْدَ نَزْعِ الْقَوْسِ فَصُدِمَ الْفَوْقُ فَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْجَمِيعِ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ فِعْلِ الرَّامِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لِلسَّهْمِ (وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا) مَثَلًا (لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إلَى غَرَضٍ) يَرْمِي إلَيْهِ (فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ) ذَلِكَ السَّهْمُ (حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا مُعَيَّنًا وَلَا مُبْهَمًا. وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى قَصْدِ الْفِعْلِ دُونَ مَوْرِدِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ مَا ظَنَّهُ ثَوْبًا فَبَانَ حَلْقَ شَاةٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ قَصَدَ عَيْنًا، بِخِلَافِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ صَيْدٌ حَلَّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الِاصْطِيَادِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، فَلَوْ قَالَ: لَا بِقَصْدٍ لَكَانَ أَشْمَلَ، وَفِي مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى مَا لَا يُؤْكَلُ كَخِنْزِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ حَيْثُ لَا صَيْدَ فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا) أَوْ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ فَأَصَابَ صَيْدًا حَلَّ (أَوْ) رَمَى ( سِرْبَ) بِكَسْرِ السِّينِ: أَيْ قَطِيعَ (ظِبَاءٍ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْوُحُوشِ (فَأَصَابَ وَاحِدَةً) مِنْ ذَلِكَ السِّرْبِ (حَلَّتْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِفِعْلِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ السِّرْبَ، وَهَذِهِ مِنْهُ (وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً) مِنْ السِّرْبِ (فَأَصَابَ غَيْرَهَا) مِنْهُ (حَلَّتْ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَيْرُ عَلَى سَمْتِ الْأُولَى أَمْ لَا لِوُجُودِ قَصْدِ الصَّيْدِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِرْسَالِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ كَمَا فِي السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُولِ، وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ حَلَّ قَطْعًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حِلُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لِلْكَلْبِ بَعْدَ إرْسَالِهِ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَمْسَكَهُ ثُمَّ عَنَّ لَهُ آخَرُ فَأَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ مَوْجُودًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى صَيْدٍ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ قَصَدَ وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا، فَلَا يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَمَاتَ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُبَاحًا. فُرُوعٌ: لَوْ رَمَى فِي ظُلْمَةٍ لَعَلَّهُ يُصَادِفُ صَيْدًا فَصَادَفَهُ وَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدًا صَحِيحًا، وَقَدْ يُعَدُّ مِثْلُهُ سَفَهًا وَعَبَثًا، وَلَوْ رَمَى شَاةً فَأَصَابَ مَذْبَحَهَا وَلَوْ اتِّفَاقًا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَقَطَعَهُ حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الرَّمْيَ إلَيْهَا، وَلَوْ أَحَسَّ بِصَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَرَمَاهُ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ نَوْعَ عِلْمٍ، وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ بِرَمْيِ الْأَعْمَى، إذْ الْبَصِيرُ يَصِحُّ رَمْيُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى.
المتن: وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ، وَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ) الَّذِي أَرْسَلَهُ (وَالصَّيْدُ) قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ (ثُمَّ وَجَدَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (مَيِّتًا حَرُمَ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَلَا أَثَرَ لِتَلَطُّخِ الْكَلْبِ بِالدَّمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْكَلْبَ جَرَحَهُ وَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ أُخْرَى (وَإِنْ جَرَحَهُ) الْكَلْبُ أَوْ أَصَابَهُ بِسَهْمٍ فَجَرَحَهُ جُرْحًا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ (وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يَحِلُّ حَمْلًا عَلَى أَنَّ مَوْتَهُ بِالْجُرْحِ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا، وَفِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ، وَثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِطُرُقِ حَسَنَةٍ، وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: {قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا؟ فَقَالَ: إذَا وَجَدْتَ فِيهِ أَثَرَ سَهْمِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَثَرُ سَبْعٍ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْ} فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَدَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ ا هـ. : أَيْ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ: أَيْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ، فَتَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَنْهَاهُ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَإِلَّا فَيَحِلُّ جَزْمًا، وَمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ غَيْرَ جُرْحِهِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ أَثَرَ صَدْمَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أُخْرَى حَرُمَ جَزْمًا. تَتِمَّةٌ: لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ نَظَائِرُ مِنْهَا مَا إذَا مَشَطَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَسَقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ انْتَتَفَ بِالْمُشْطِ أَوْ كَانَ مُنْتَتَفًا؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَمِنْهَا إذَا قَدَّ مَلْفُوفًا وَمَرَّ مَا فِيهِ. وَمِنْهَا إذَا بَالَتْ ظَبْيَةٌ فِي مَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ تَغَيُّرُهُ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ نَجَاسَتُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ، وَهَذَا يُقَوِّي الْوَجْهَ الثَّانِيَ. وَمِنْهَا إذَا جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَدْرِ هَلْ مَاتَ بِسَبَبِ جِرَاحَتِهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالْأَصَحُّ فِيهَا وُجُوبُ الْأَرْشِ لَا كَمَالُ الْجَزَاءِ، إذْ الشَّكُّ فِيهِ أَوْجَبَ عَدَمَ وُجُوبِهِ، وَهَذَا يُقَوِّي الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ.
|